الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عادل: ويعقوب أيضًا ذَكَرُ الْحَجَل، إذ سمي به المذكر انصرف؛ والجمع يَعَاقِبَة وَيَعَاقِيب، و{اصْطَفَى} ألفه عن ياء تلك الياء منقلبة عن واو؛ لأنها من الصَّفْوة، ولما صارت الكلمة أربعة فصاعدًا، قلبت ياء، ثم انقلبت ألفًا. اهـ. .فروق لغوية دقيقة: .الفرق بين الدين والملة: وإذا قيد اختلفت دلالته، وقد يسمى كل واحد من الدين والملة باسم الآخر في بعض المواضع لتقارب معنييهما، والأصل ما قلنا، والفرس تزعم أن الدين لفظ فارسي وتحتج بأنهم يجدونه في كتبهم المؤلفة قبل دخول العربية أرضهم بألف سنة ويذكرون أن لهم خطا يكتبون به كتابهم المنزل برعمهم يسمى دين دوري أي كتابة الذي سماه بذلك صاحبهم زرادشت ونحن نجد للدين أصلا واشتقاقا صحيحا في العربية وما كان كذلك لا نحكم عليه بأنه أعجمي وإن صح ما قالوه فإن الدين قد حصل في العربية والفارسية اسما لشيء واحد على جهة الاتفاق وقد يكون على جهة الاتفاق ما هو أعجب من هذا وأصل الملة في العربية المل وهو أن يعدو الذئب على شيء ضربا من العدو فسميت الملة ملة لاستمرار أهلها عليها، وقيل أصلها التكرار من قولك طريق مليل إذا تكرر سلوكه حتى توطأ ومنه الملل وهو تكرار الشيء على النفس حتى تضجر، وقيل الملة مذهب جماعة يحمي بعضهم لبعض عند الأمور الحادثة وأصلها من المليلة وهي ضرب من الحمى ومنه الملة موضع النار وذلك أنه إذا دفن فيه اللحم وغيره تكرر عليه الحمى ومنه الملة موضع النار وذلك أنه إذا دفن فيه اللحم وغيره تكرر عليه الحمى حتى ينضج وأصل الدين الطاعة ودان الناس لملكهم أي أطاعوه، ويجوز أن يكون أصله العادة ثم قيل للطاعة دين لأنها تعتاد وتوطن النفس عليها. .الفرق بين الدين والشريعة: .تفسير الآية رقم (133): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما قرر سبحانه لبني إسرائيل أن أباهم يعقوب ممن أوصى بنيه بالإسلام قال مبكتًا لهم: {أم} فعلم قطعًا من ذكر حرف العطف أن المعطوف عليه محذوف كما قالوا في أحد التقادير في هذه الآية وفي {أمّن هو قانت آناء الليل} [الزمر: 9] في سورة الزمر فكان التقدير هنا لتوبيخهم وتقريعهم بأن أيّ شق اختاروه لزمهم به ما يكرهون: أكنتم غائبين عن هذه الوصية من إبراهيم ويعقوب عليهما السلام أم حاضرين وكنتم غائبين في أمر يعقوب عليه السلام خاصة أم {كنتم شهداء} الآية، أي أكنتم غائبين عن علم ذلك أم لا حين حكمتم بتخصيص أنفسكم بالجنة ليمنعكم ذلك عن مثل هذا الحكم؛ وعلى كل تقدير لا يضركم جهله، لأن عندكم في كتاب الله المنزل على بيتكم من الأمر بمثله عن الله ما يغنيكم عنه، وهو مانع لكم أيضًا من هذا الحكم على وجه قطعي؛ وفي ذلك إشارة إلى عدم وجوب التقيد بالآباء، وإرشاد إلى توسيع الفكر إلى المنعم الأول وهو رب الآباء للتقيد بأوامره والوقوف عند زواجره سواء كان ذلك موافقًا لشرع الآباء أو مخالفًا؛ ولما كان هذا لازمًا لمضمون قوله تعالى: {تلك أمة قد خلت} [البقرة: 134] أتبعه بها، أي فما لكم وللسؤال عنها في ادعائكم أنهم كانوا هودًا أو نصارى؟ كما سيأتي النص بالتوبيخ على ذلك وإتباعه مثل هذه الآية، لأنه إما أن يكون السؤال عن النسب أو عن العمل ولا ينفعكم شيء منهما، لأنه ليس للإنسان إلا ما سعى، فليس السؤال عنهم حينئذ لمن عنده علم ما يأتي وما يذر إلا فضولًا، وفيه تنبيه على أنهم قطعوا أنفسهم عنهم، لأنهم لما لم يتبعوهم في الإسلام فصلوا ما بينهم وبينهم من الوصلة بالنسب وحصلت براءتهم منهم، لأن نسب الدين أعظم من نسب الماء والطين، أو يقال وهو أحسن: لما ادعى أهل الكتاب أن الجنة خاصة بهم ورد ذلك سبحانه عليهم بأنها لمن أسلم محسنًا وذكرهم بأحوال الخليل عليه السلام حتى ختم بأنه من رءوس المتصفين بهذا الوصف وأنه أوصى بنيه به فكان كأنه قيل إنكارًا عليهم في دعواهم الاختصاص بالجنة وتقريرًا لهم: أكنتم شهداء لذلك منه حتى تكونوا ممن ائتمر بأمره في وصيته فتكونوا أهلًا للجنة أم كنتم شهداء يا بني يعقوب {إذ حضر يعقوب} صاحب نسبكم الأشهر {الموت} وهو على ما أوصى به إبراهيم بنيه {إذ قال} أي يعقوب {لبنيه}. ولما كان مراده صلى الله عليه وسلم التعميم في كل شيء ليقع التخصيص موقعه فلا يحتاج إلى سؤال آخر عبر بما العامة للعاقل وغيره فقال: {ما تعبدون} ولو عبر بمن لم يفد جوابهم هذا التصريح ينفي عبادة شيء مما لا يعقل، وقيده بقوله: {من بعدي} لأن الخليفة كثيرًا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحًا في حضوره، وأدخل الجار لأن أعمارهم لا تستغرق الزمان {قالوا نعبد إلهك} الذي خلقك {وإله آبائك} الذي خلقهم وبقي بعدهم ويبقى بعد كل شيء ولا بعد له، كما كان قبل كل شيء ولا قبل له؛ ثم بينوا الآباء بقولهم: {إبراهيم} أي جدك {وإسماعيل} لأنه عم والعم صنو الأب فهو أب مجازًا {وإسحاق}. ولما تقدم ذكر الإله في إضافتين بينوا أن المراد به فيهما واحد تحقيقًا للبراءة من الشرك وتسجيلًا على أهل الكتاب بتحتم بطلان قولهم فقالوا: {إلهًا واحدًا} ثم أخبروا بعد توحيدهم الذي تقدم أنه معنى الإحسان في قوله: {وهو محسن} [البقرة: 112] بإخلاصهم في عبادتهم بقولهم: {ونحن له} أي وحده لا للأب ولا غيره {مسلمون} أي لا اختيار لنا معه بل نحن له كالجمل الآنف حيثما قادنا انقدنا، أي أم كنتم شهداء له في هذه الوصية لنشهد لكم بما شهدنا لبنيه الموجودين إذ ذاك من الإسلام فتكونوا من أهل الجنة. اهـ. سؤال: ما نوع {أم} في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ}؟ الجواب: فيه قولان الأول: أنها منقطعة عما قبلها، ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي: بل ما كنتم شهداء، والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أي ما كنتم حاضرين عندما حضر يعقوب الموت، والخطاب مع أهل الكتاب، كأنه تعالى قال لهم فيما كانوا يزعمون من أن الدين الذي هم عليه دين الرسل: كيف تقولون ذلك وأنتم تشهدون وصايا الأنبياء بالدين ولو شهدتم ذلك لتركتم ما أنتم عليه من الدين ولرغبتم في دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو نفس ما كان عليه إبراهيم عليه السلام ويعقوب وسائر الأنبياء عليهم السلام بعده. فإن قيل: الاستفهام على سبيل الإنكار إنما يتوجه على كلام باطل، والمحكى عن يعقوب في هذه الآية ليس كلًاما باطلًا بل حقًا، فكيف يمكن صرف الاستفهام على سبيل الإنكار إليه؟ قلنا: الاستفهام على سبيل الإنكار متعلق بمجرد ادعائهم الحضور عند وفاته هذا هو الذي أنكره الله تعالى. فأما ذكره بعد ذلك من قول يعقوب عليه السلام: {مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى} فهو كلام مفصل بل كأنه تعالى لما أنكر حضورهم في ذلك الوقت شرح بعد ذلك كيفية تلك الوصية. القول الثاني: في أن {أم} في هذه الآية متصلة، وطريق ذلك أن يقدر قبلها محذوف كأنه قيل: أتدعون على الأنبياء اليهودية، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت؛ يعني إن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ دعا بنيه إلى ملة الإسلام والتوحيد، وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء. اهـ. سؤال: لفظة {ما} لغير العقلاء فكيف أطلقه في المعبود الحق؟ وجوابه من وجهين: الأول: أن {ما} عام في كل شيء والمعنى أي شيء تعبدون. والثاني: قوله: {مَا تَعْبُدُونَ} كقولك عند طلب الحد والرسم: ما الإنسان؟. اهـ. .فائدة عن يعقوب عليه السلام: سؤال: لم ذكر هذه العبارة {إذ حضر يعقوب الموت} قبل ذكر الخبر؟ الجواب: قوله تعالى: {إذ قال لبنيه} بدل من {إذ حضر يعقوب الموت} وفائدة المجيء بالخبر على هذه الطريقة دون أن يقال أم كنتم شهداء إذ قال يعقوب لبنيه عند الموت، هي قصد استقلال الخبر وأهمية القصة وقصد حكايتها على ترتيب حصولها، وقصد الإجمال ثم التفصيل لأن حالة حضور الموت لا تخلو من حدث هام سيحكى بعدها فيترقبه السامع وهذه الوصية جاءت عند الموت وهو وقت التعجيل بالحرص على إبلاغ النصيحة في آخر ما يبقى من كلام الموصى فيكون له رسوخ في نفوس الموصين. اهـ. .أسئلة وأجوبة: واقترن ظرف {بعدي} بحرف من لقصد التوكيد فإن من هذه في الأصل ابتدائية فقولك: جئت من بعد الزوال يفيد أنك جئت في أول الأزمنة بعد الزوال ثم عوملت معاملة حرف تأكيد. وجملة: {قالوا نعبد إِلهك} جواب عن قوله: {ما تبعدون} جاءت على طريقة المحاورات بدون واو وليست استئنافًا لأن الاستئناف إنما يكون بعد تمام الكلام ولا تمام له قبل حصول الجواب. وجيء في قوله: {نعبد إلهك} معرفًا بالإضافة دون الاسم العلم بأن يقول نعبد الله لأن إضافة إله إلى ضمير يعقوب وإلى آبائه تفيد جميع الصفات التي كان يعقوب وآباؤه يصفون الله بها فيما لقنه لأبنائه منذ نشأتهم، ولأنهم كانوا سكنوا أرض كنعان وفلسطين مختلطين ومصاهرين لأمم تعبد الأصنام من كنعانيين وفلسطينيين وحثيين وأراميين ثم كان موت يعقوب في أرض الفراعنة وكانوا يعبدون آلهة أخرى. وأيضًا فمن فوائد تعريف الذي يعبدونه بطريق الإضافة إلى ضمير أبيهم وإلى لفظ آبائه أن فيها إيماء إلى أنهم مقتدون بسلفهم. وفي الإتيان بعطف البيان من قولهم: {إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} ضرب من محسن الاطراد تنويهًا بأسماء هؤلاء الأسلاف كقول ربيعة بن نصر بن قعين: وإنما أعيد المضاف في قوله: {وإلهك آبائك} لأن إعادة المضاف مع المعطوف على المضاف إِليه أفصح في الكلام وليست بواجبة، وإطلاق الآباء على ما شمل إسماعيل وهو عم ليعقوب إطلاق من باب التغليب ولأن العم بمنزلة الأب. وإنما أعيد لفظ إلها ولم يقتصر على وصف واحدًا لزيادة الإيضاح لأن المقام مقام إطناب ففي الإعادة تنويه بالمعاد وتوكيد لما قبله، وهذا أسلوب من الفصاحة إذ يعاد اللفظ ليبنى عليه وصف أو متعلق ويحصل مع ذلك توكيد اللفظ السابق تبعًا، وليس المقصود من ذلك مجرد التوكيد ومنه قوله تعالى: {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} [الفرقان: 72] وقوله: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] وقوله: {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين} [الشعراء: 132، 133] إذ أعاد فعل أمدكم. اهـ. بتصرف يسير. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: جروا كلهم- صلوات الله عليهم- على منهاج واحد في التوحيد والإسلام، وتوارثوا ذلك خَلَفًا عن سَلَف، فهم أهل بيت الزلفة، ومستحقو القربة، والمُطَهَّرون من قِبَل الله- على الحقيقة. قوله جلّ ذكره: {نعبد إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. لم يقولوا إلهنا مراعاة لخصوصية قَدْره، حيث سلموا له المزية، ورأوا أنفسهم ملحقين بمقامه، ثم أخبروا عن أنفسهم أنهم طُيَّع له بقولهم: {ونحن له مسلمون}. اهـ.
|